الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واعلم أن القول بعدم الربا في هذه الأوراق يجرّ إلى القول بعدم وجوب الزكاة فيها والنقد المتداول كله منها، فيتعطل ركن من أركأن الدين الإسلامي والعياذ بالله.هذا، ونعود إلى البحث الأول فنقول وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق: إذا كان المراد بالربا معناه اللغوي أي مطلق الزيادة اعتبار بإطلاق الآية المندرج تحتها كل ما فيه تفاضل فيا ترى ما حد هذا الاندراج، أيشمل ما قصد وما لم يقصد فيشمل زيادة العين وزيادة الانتفاع وغيرهما، أم لا يشمل إلا ما قصد إليه في المعاملة فحسب، أم هو المراد؟ فلهذا ود عمر أن يكون بينه الرسول حتى لا يقع في هذا التورط الشاق وهذه المسئولية العظيمة، وكيف لا وهو إن أخذ بالأول من غير مرجح له وحمل الناس عليه أوقعهم في معاملات كثيرة قد تكون الآية شاملة لها إن كان المراد المعنى الثاني، وإن أخذ بالمعنى الثاني ولم يكن مرادا في نفس الأمر أحرج الأمة وضيق عليها فيما لا قطع فيه، لذلك احتاط لنفسه في الفتوى وأخذ بأحوط الأمرين لأنه تردد بين احتمال مبيح واحتمال محرم، ت (26).ولما كان من الأحوط الأخذ بالتحريم فقد نصح لهم أن يتركوا ما فيه ريبة في ذلك اتباعا لقوله صلّى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».وقوله صلّى الله عليه وسلم: «الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه».فالتقي الورع الذي يخشى عتاب الله يجتنب كل ما فيه شبهة ربا من نقد ومكيل وموزون وما يقوم مقام النقد من أوراق نقدية وغيرها حتى بيع العينة التي نهى الرسول عنها بأحاديث متعددة وهي أن يبيع الرجل آخر سلمة بثمن ثم يشتريها منه بأنقص مما باعها، لأن هذا من باب الاحتيال على الله بشأن الربا، وهو لا تخفى عليه خافية، ألا ترى أن بني إسرائيل لما احتالوا على صيد السمك الذي نهاهم الله عنه يوم السبت مسخوا قردة وخنازير كما بيناه في الآية 164 من سورة الأعراف؟ ولهذا البحث صلة في الآية 63 من سورة المائدة الآتية وفي الآية 16 من سورة النساء أيضا فراجعهما.وان قول عمر رضي الله عنه في الأثر الأول (وأبواب من أبواب الربا) يفيد أن اشتباهه لم يكن مداره القلة والكثرة في تحريم الربا ولكن فيما لم يعهد إليهم فيه عهد منه مما لم يتبيّنه ولم ينته إليه علمه من غير الأمور الستة التي كانت متعارفة في المدينة ولم يقل صلّى الله عليه وسلم لا ربا في غيرها ليكمل الاحتجاج به إلى عموم الآية وهي {أَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} أي بجميع أنواعه وأصنافه من كل ما فيه زيادة تأمل.هذا واعلم أن قوله في الأثر الثاني (إن آخر القرآن تنزيلا هو آية الربا) كما ألمعنا إليه في الآية 275 من البقرة المارة، أي إن الآية التي هي من آخر ما نزل من القرآن هي آية البقرة وقد علمت أنها تمنع القليل والكثير.ومما يدل على أن المراد بآية البقرة ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن جرير أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبض قبل أن يقسرها لنا، فدعوا الربا والريبة، أي كل ما يشك به من الربا.ولو أن عمر رضي الله عنه كان مدار اشتباهه في الآية على عدم التمييز بين الربا القليل الذي هو حلال، والربا الكثير الذي هو حرام، لكانت آية آل عمران هذه هي محل الاشتباه، ولو كان في هذه الآية لديهم من ريبة لسألوا عنها حضرة الرسول لأنها نزلت قبل وفاته بكثير، لأن آية قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية 4 من المائدة، نزلت بعدها، وقد عاش رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعدها واحدا وثمانين يوما ولم ينزل بعدها إلا آية: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} الآية 280 من البقرة المارة، فراجعهما.هذا وقد علمت مما تقدم أن الأثرين حجة عليه لا له، وإن تذرعه بالاجتهاد مردود عليه، إذ لا اجتهاد في مورد النص، وممنوع إذ يصادم قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} الآية، وقوله صلّى الله عليه وسلم وان ربا الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، مما يدل دلالة صريحة على أن آخر آية في الربا نزولا هي آية البقرة المذكورة.واعلم أن القصد من معارضة هذا المعارض إرادته إباحة إنشاء المصارف (البنوك) وأخذ الناس منها بربا يسير أقل من ربح البايع فيما يبيعه، وهذا لمن يتكلم بحق إرادة الباطل مثل دعاة السفور وهم يريدون الخلاعة لا غير، وإذا بحثنا في هؤلاء الذين يأخذون من المصارف تجدهم إنما يأخذونه لغير حاجة ماستة لأنهم إما يريدون تكثير زراعتهم إن كانوا مزارعين، وتجارتهم إن كانوا تجارا، أو زواجا أو بناء أو ملكا ما أو بذخا ليساووا من هو فوقهم وأكبر منهم وأغنى، أو طمعا بربحه اليسير وإعطائه بأضعاف ريحه لمن لا يقدر أن يأخذ من المصرف ليكاثر وينامي غيره به ومع هذا إنا نرى الذين تعاطوا هذا لم يتيسر لهم ما أملوه، فلم تمض مدة حتى ترى الملاك حجزت أملاكه، ولتاجر أعلن إفلاسه، والمزارع صار يستلف على زراعته لأداء ما عليه منه، والآخر أصبح فقيرا معدما، وهذا هو السر في قوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الرِّبا} فكان الأحسن لهذا والأجدر به أن يكون داعيا إلى الله موصيا الناس بالقناعة بما في أيديهم، ويحث الأغنياء على زكاة أموالهم لكفاية الفقراء، ويحبذ لهم القرض لمن يأمنوا على أدائه لهم وجواز إعطاء الفقير بما دون حد الغنى من الزكاة، فلو أعطى هؤلاء وأقرض الآخرون لقدر الفقراء على تأمين معيشتهم من البيع والشراء بالأشياء العادية من الخضروات وشبهها مما هو من حوائج العامة فيغنيهم الله من فضله ويبارك لمن ساعدهم ويعطى هذا المحبذ للمصارف والأخذ منها أكثر مما يعطونه أهلها، لأن عطاء الله ممدود، وعطاءهم مقصور محدود، فيتكل على الله ويمنع أولئك من الأخذ من المصارف والاشتغال بما في أيديهم فهو أنفع لهم من الازدياد بما يوجب دمارهم، ويعلمهم بأن أخذ بعضهم من بعض سواء كان بطريق القرض أو التجارة أو الصدقة أبقى للرابطة بينهم، واحفظ لمادة التفاضل، قال صلّى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي بخير ما تفاضلت.وقال تعالى: {وَالله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} الآية 72 من سورة النحل، وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} الآية 253 من البقرة المارة، ولهذا فإن نظام العالم لا يقوم ولا يدوم إلا بهذه الصورة.وإذا أنعمت نظرك علمت أن الربا لا يجوز بوجه من الوجوه، لأن المال الذي يعطيه الغني إلى الفقير هو مقدار ما بذل من جهود إلى الهيئة الاجتماعية فلا يستحق عليها مزيدا، ولأنه ليس سلعة معينة بيد الآخذ ينهكها العمل ويؤثر فيها الاستعمال حتى يستحق تعويضا في نظيرهما، ولأن كل ما حصله الآخذ بواسطتها إنما يكون بجهوده، وهو المستحق لثمرة حصلت بها دون سواء، ولأن الزائد الذي يدفعه إلى المرابي إنما هو زيادة أخذها من جهوده فوق ما قدم للوجود من جهود، فأخذه لها من غير استحقاق ظلم بحت ومعاملة مخالفة للنظامه الفطري الذي هو التعاون الموجب للتوادد والتحابب بين الناس، لأن معاملة الربا تؤدي للتنازع والتفرقة والبغض والحقد، وكل هذا مما يضر بالمجتمع ويرهقه ويضعف مادة التناصر المجبولة عليها الفطر السليمة، فضلا عن أنه فيه قلب لوضع الذهب والفضة لأنهما بعد أن وضعا مقياسا للأشياء ووساطة في نظام التبادل أصبحا سلعا يقصد بها الربح الربوي مما يسبب تعطيلا للأيدي العامة اتكإلا على ما يدره إليها من ربح الربا فيجعل مجهود العامل لغيره وليس له حق فيه أو بينه وبين المرابي، وهذا مما ينهكه أيضا ويضاعف جهوده على حساب غيره فلا يستطيع القيام بأعباء الحياة.وإن هذه الطريقة تجعل المال دولة بين الأغنياء إرهاقا للفقير بأخذ مجهوده ليتنعم الغني ويبلس الفقير، ومن هنا تنشأ العداوة والضغائن وتقع التفرقة والبغضاء، وتضعف الروح المعنوية بين المجتمع الإنساني، فتحصل الأضرار التي لا تتلافى حتى يعقد الفقير في قلبه التربص للانتقام من الغني أو الانتحار لنفسه، ولأنه يؤدي لاحتكار النقدين لقصد التعامل بالربا فقط فيقلان في أيدي الناس وهم محتاجون إليها، فيشق عليهم التعامل مع غيرهم الذي وضع للتسهيل والتيسير، فيخل نظام الفطرة الاجتماعية في وجوه الكسب، فيقع تحت براثنه ضحايا من الناس هم أحوج في حياتهم لأقل قليل من مجهوداتهم، ولأن فيه مخاطرة من جهة الآخذ إذا ألزم نفسه أن يدفع كسبا المرابي محققا في نظير ما يؤمل كسبه، إذ قد يخيب ظنه فيخسر فيشق عليه أداء الزيادة للمرابي، ولأنه يعود الناس الطمع بما في أيدي الغير، فتقسو قلوب بعضهم على بعض فيفقدون ملكة التعاون والتراحم والتعاطف بعضهم على بعض، فتنقطع بينهم عرى المساعدة حالة الشدة، ويحرمون من الثناء والحمد، وتنهال عليهم المذمة والدعاء والشتم في الدنيا فضلا عن حرمانهم في الآخرة الثواب المعين للقرض الذي هو أفضل من الصدقة، ولقائهم عذاب الله الأليم.فهذه اثنتا عشر خصلة كل واحدة منها كافية للقول بحرمة الربا على القطع، وفي كل منها مفسدة كافية للقول بمنعه، فما بالك إذا تحلقت جميعها، فهل تهد قوى الأمة وتنقص فضلها وتحطم كمالها وتقطع بينها مادة التواصل أم لا؟ قل بلى، ولا يقولها إلا موفق من يوم قالوا بلى للّه القائل: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}.أخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال: قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه أنك كنت تدعو إلى جنّة عرضها السموات والأرض فأين النار؟فقال صلّى الله عليه وسلم فأين الليل إذا جاء النهار؟ أي أن القادر على إذهاب الليل قادر على أن يخلق النار حيث يشاء، أو أنها بعرض هذه السموات والأرض المرئية الآن، لا اللّتين تبدلان، راجع الآية 48 من سورة إبراهيم، وفي خبر لأبي هريرة مما يؤيد هذا، وما قاله بعضهم بأن عرضها ثخنها بحيث لو عرضت لبلغ ثخنها ثخن السموات والأرض فليس بشيء وهو خلاف الظاهر وبعيد عن المعنى وعن المأثور، وهذه الآية تؤيد وجود الجنة كما بيناه في الآية 131 المارة.
.مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها: ثم بين هؤلاء المتقين بقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} أموالهم فيما خلقت لها ابتغاء مرضاة الله بلا منّ ولا أذى ولا طريق محرم {فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} أي في حالتي العسر واليسر، فلا يتركون الإنفاق سواء كانوا في عرس أو حبس.{وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} الجارعين مضضه عند امتلاء نفوسهم منه فلا يظهرونه بقول ولا فعل بل يصبرون ويسكتون، لأن الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وهذا الوصف من أقسام الصبر والحلم، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.وعليه قول ابن الوردي:وقالت عائشة لخادم أغاظها: للّه درّ التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء.وذلك أن شفاء الغيظ بالبطش والانتقام، وقد حالت التقوى والحلم دونه، ونعم الحائل والمانع.ولهذا قالوا: كن من العاقل إن أحرجته، ومن الأحمق إن مازحته، ومن الجاهل إن عاشرته، ومن الفاجر إن خاصمته، ومن الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته على حذر.روى سهل بن معاذ عن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيّره في أي الحور شاء- أخرجه الترمذي وأبو داود {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} إذا جنوا عليهم فلم يؤاخذوهم وقد يحسنون إليهم بالعطاء فضلا عن إحسانهم بالعفو {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} عامة ومحبة الله أعظم درجات ثوابه وخاصة لمثل هؤلاء، لأن من يعفو وهو قادر فقد تذرع بالصبر وعرف أن ذلك من قضاء الله وقدره فلم يتبرم ولم يسخط فكان من الصادقين الذين إذا قالوا صدقوا وإذا عاهدوا وفوا وإذا ائتمنوا أدّوا، فيكون من القانتين الذين سلمت أعمالهم من الرياء وأقوالهم من السمعة طلبا لما عند الله، وهذا كله من حسن الخلق الذي منّ الله عليهم به، قال محمد بن ثور الهلالي: وقال غيره: {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً} فعلة قبيحة كالزّنى واللواطة وغيرهما {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} باقتراف الذنوب صغارا كانت أو كبارا كالقبلة واللمس والنظر للأجنبية والأمرد بشهوة والربا والغصب والخمر والقمار وما شابههما من الذنوب ثم {ذَكَرُوا الله} وعرفوا بأنه سيسألهم عنها يوم لقائه فاستحيوا منه وخافوا عتابه وعقابه قبل أن يلقوه {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} هذه وتابوا وأنابوا وندموا على فعلها وعزموا على عدم العودة لمثلها يوشك أن يغفرها لهم {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله} الرؤوف الرحيم بعباده، وفي هذه الجملة شيء من البشارة العظمى أي لا أحد يفعل ذلك غيره وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، وذلك كله بمقتضى كرمه إذ لا مفزع للمذنبين غير فضله ورحمته ولطفه وإحسانه، ولا ملجأ إلا لكرمه وعفوه وعطفه وامتنانه {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا} من تلك الذنوب بل أفعلوا عنها حالا من غير توان في الإقامة على شيء منها {وَهُمْ يَعْلَمُونَ 135} أن ما وقع منهم مؤاخذون عليه وأن لهم ربا يغفر لمن يرجع إليه ويعفو عمن يلتجئ إليه، لأن التوبة مع الإصرار على الذنب استهزاء وسخرية بالرب يوجبان المقت والعياذ بالله، قال صلّى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.وقال صلّى الله عليه وسلم: التائب من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.واعلم أن في إعداد النار للكافرين في الآية 13 المارة وإعداد الجنة للمتقين في هذه الآية بشارة عظيمة على تقوية رجاء المؤمنين المتقين المتصفين بالصفات المذكورة برحمة الله تعالى لدخول الجنة المهيأة لهم، وتباعدهم عن النار المعدة لغيرهم إذا لم يسلكوا طريقها، قال القائل: وعلى كل يجب الاستعانة بالله تعالى على حفظ النفس من الذنوب، إذ لا مانع له منها إلا هو، وقد صدق من قال: روى أبو صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم آخى بين أنصاري وثقفي فخرج الثقفي في غزوة واستخلف أخاه الأنصاري على أهله فدخل عليها وقبل يدها ثم ندم ووضع التراب على رأسه وهام في البرية لأنه رأى في عمله هذا وقاحة مذمومة وانسلاخا من الإنسانية ومنشؤهما لجاج النفس في تعاطي القبح، وهي مغايرة للحياء الذي هو انقباض النفس عن القبائح وهو من خصائص الإنسانية ومغاير للخجل الذي هو صون النفس لفرط الحياء ويحمد في النساء والصبيان، فلما جاء الثقفي سأل امرأته عنه فقالت لا أكثر الله مثله وذكرت له ما وقع منه فذهب في طلبه وجاء به إلى أبي بكر فذكر له قصّته وقال هلكت فقال أبو بكر ويحك أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم، ثم جاء عمر فقال مثل ذلك، فأتيا النبي صلّى الله عليه وسلم فقال مثل ذلك وأنزل الله هذه الآية.
|